المخرج الروسي فلادمير جيرانوف، بعد تجربته مع مسرح الفرنج في الناصرة:
ولدنا من اجل الحب وثم الحب وبعدها الحب!
هناك حاجة لصقل موهبة الممثلون العرب أكثر وأكثر!
ندرس إمكانية إرسال طلاب عرب إلى الخارج لدورات مسرحية
الفنان يجب أن يكون مثقف ثقافة عالية حتى يتعلم منها ويصبح إنسان

حاورته: ميسون أسدي- تفانين
بحضور جمهور غفير وعدة شخصيات مهمة افتتح مسرح أنسمبل فرينج- الناصرة مؤخرا مسرحية "مرة أخرى قصة حب" وذلك في المركز الثقافي البلدي بالناصرة.  وقد قدمت المسرحية بالاسلوب الصامت والحركات الايمائية التي تخللتها الموسيقى ملائمة مع الاحداث وتتمحور المسرحية حول قصة حب تجمع رجل وامرأة وتمر بعدة قضايا اجتماعية.
المسرحية من اخراج فلادمير جيرانوف وهو روسي، وبتمثيل: ربيع خوري، رحيق حاج يحيى-سليمان، حسن طه، علي علي، شادن أبو العسل، محمد دبدوب ودريد لداوي.

أبدى الحضور إعجابا كبيرا بالأداء المميز للمسرحية والتي تعتبر أول مسرحية من هذا النوع في الوسط العربي، ومن بين الحضور كان: زوجة المخرج فلادمير جرانوف، ومدير مسرح "الفرنج" الفنان هشام سليمان، ومدير المركز الثقافي البلدي فؤاد عوض وآخرون.

وقد اختتمت الأمسية بشكر شخصيات المسرحية ومخرجها وقدم الممثلون باقتي ورد للمخرج وزوجته.. وفيما يلي حوار خاطف مع المخرج وصاحب الفكرة فلادمير جيرانوف.


**عرفنا على ننفسك، وكيف جاءت الفكرة؟
-اعمل في الأكاديمية الروسية للفنون في موسكو وعملت في مدرسة المسرح في فرنسا في مدينة "ليون"، وفي تل أبيب، علـّمت المسرح في "ستاج سينتر" وكان هشام سليمان شارك في هذه المنصة ووجد انه من المهم إن تقام دورة من هذا القبيل للمسرحيين العرب واقترح علي أن أقدم نفس المشروع مع ممثلين عرب واقترحنا أن يكون العرض من دون نص، فقط في لغة الجسد ولذلك أنا هنا في الناصرة.. المشروع بدون كلام أكثر فلسفة واسمه "مرة أخرى قصة حب" لأن الله خلقنا للحب وليس للصراع أو البكاء وعلينا التفكير وإيجاد الحب في كل نواحي الحياة.
 
**كيف تقيم المستوى الفني للعرب وأنت الذي تنقل بين عدة دول؟
-المستوى المهني في فن المسرح يتفاوت بين الروس والفرنسيين والانجليز والأمريكان والعرب، في روسيا المسرح تقليدي كلاسيكي، هناك حب وشغف للمسرح، المسرح ليس تعليمي، المسرح بالنسبة للجمهور يعني الحياة، عادات وتقاليد ونهج حياة، وكل جيل يطرح ذات السؤال: لماذا أنا هنا، ما هو هدفي من الحياة وماذا سأقد لها؟؟ فمسرحنا الروسي هو مسرح كلاسيكي لكل الأجيال.. بينما المسرح الفرنسي يختلف عن المسرح الروسي، فهناك لهم عادات وتقاليد مختلفة وتوجه مسرحي مختلف، لغة الجسد غير موجودة في المسرح الفرنسي، وأنا بنظري أن المسرح الروسي بجودته هو بمستوى أعلى بكثير من المسرح الفرنسي.. أما المسرح العربي فما يميزه الانفتاحية عند الممثلين ولكن المستوى المهني ليس عاليا، لا توجد مدارس لتعليم المسرح عند العرب فهم يدرسون في مدارس إسرائيلية، وارى تفاوت في المستوى المهني عند الفنانون العرب.. أتواجد في الناصرة منذ بداية شهر تموز 2008 وقد عملت مع الممثلين العرب واستطيع أن أشير بأن الممثل حسن طه، مثلاً، له قوة مسرحية طبيعية ويمكنه أن يطور نفسه، فالممثل يجب يقيـّم قدراته ونفسه وماذا يريد أن يفعل في هذه الحياة وسيكون له مستقبل مهني لامع، وأيضا هناك ممثلين ذو قدرات مثل شادن، فهي راقصة ولأول مرة تتعامل مع المسرح، جميع الممثلين الذي تعاملت معهم شعرت بقوتهم المسرحية ولكن هناك حاجة لصقل هذه الموهبة أكثر وأكثر

**هل يمكن أن يكون هناك تعاون مشترك بين مسرح انسمبل والمسرح الروسي؟
-نحن نناقش إمكانية التعاون فيما بيننا، فانا حاليا اعمل في تنظيم وبناء مدرسة مسرح في فرنسا مع مخرج ايطالي له منظمة مسرح في فرنسا، ويمكننا الآن البدء واخذ مجموعة فنانون عرب إلى فرنسا وتعليمهم لمدة شهر في مدرسة المسرح.
 
**وكيف كان بالنسبة لك العيش في الناصرة؟
-تجولت قليلا داخل المدينة، فانا أمر بها فقط من الفندق إلى المسرح ذهابا وإيابا، لقد عشت في دمشق لمدة عامين وعملت كمدرس في دمشق في أكاديمية الموسيقى والمسرح، وكذلك عملت في "الرباط" في المغرب في دورات مسرحية للمثلين. عملت في البرازيل ورومانيا وبلغاريا وإسرائيل واسبانيا، والناس في كل مكان وزمان هم أناس لا فرق بينهم، لنا كرة أرضية واحدة يجب الحفاظ عليها والعيش بسلام.
**وما هو نوع المسرح المفضل لديك؟
-أحب جميع أنواع المسرح: كوميدي تراجيدي ساخر، ولعبت أدوارا عديدة فيها، عندما اعمل وأتواجد داخل العمل اشعر بالسعادة وخاصة عندما أتواصل واعمل مع ممثلين جيدين، وعندما لا اعمل أفكر بماذا سأعمل، أي عمل جديد سأقوم به وغيرها من الأمور التي تتعلق بالعمل، وأحب الالتقاء بأصدقائي وأحب القراءة ومشاهدة الأفلام والمسرح، بعد انتهاء العمل في الناصرة سأعود إلى بيتي وزوجتي وابدأ بعمل جديد.

**حدثنا عن تجربتك مع الممثلين العرب في الناصرة؟
-هذه أول مرة لي في مدينة الناصرة وهذه التجربة علمتني مثلما علمتهم وأول شيء تعلمته هو الصبر، أن أكون أكثر صبورا، الممثلون العرب لا يصلون في الوقت المحدد ولا يحترمون المواعيد، إذا حددت معهم موعد الساعة الحادية عشرة يصلون بعد نصف ساعة وأنا اجلس وانتظر وهذا يمر عندهم كشيء طبيعي، وهذا يغضبني ولكني اصبر فهذه ليست بلادي، في روسيا أي تأخير يؤدي إلى حرمان الممثل من الدخول إلى ورشة العمل أو إلى الدرس، إما من ناحية مهنية فلم أتعلم من الممثلين العرب أي شيء فهم ما زالوا في دور النشوء.. عندما اعمل مع الممثلين الروس، استطيع بجملة أو جملتين أن أتوجه للمثل وهو يفهم ما هو المطلوب، أما هنا فيتطلب الأمر مجهودا اكبر والعائق ليس اللغة، يجب أن احدد بوضوح ما هو المطلوب منهم، أحاول أن أجد الطريق إلى الممثل، هذه التجربة كانت تجربة صعبة مع شخصيات مختلفة. وأنا أومن أن كل مهنة بحد ذاتها هي مهنة صعبة.
 
**وماذا عن المسرح في الدول العربية؟
-اساس المسرح هو المدارس، فلكي تتعلم قيادة السيارة يجب أن تتعلم السواقة وهكذا المسرح ولكي تكون ممثلا جيدا، يجب أن تتخرج من مدرسة مهنية جيدة. المهم أن تبدأ خطوة خطوة، وعند العرب لا يوجد مدارس مسرحية جيدة، في سوريا كان هناك اهتمام بدعوة معلمون روس منذ عام 1987 والمدارس أخذت تنمو لأن المعلمون الروس عملوا مع كوادر من الممثلين والممثلون جيدون، ومستويات المسرح تختلف في الدول العربية، فهناك مدرسة كبيرة في الرباط.. بعد تجربتي في الناصرة سأسافر إلى استونيا وربما في فصل الشتاء سأعود إلى هنا.. اقترحت علي الفنان هشام سليمان مسرحية روسية لشخصيتين، يجب ترجمتها وربما سنعمل عليها.

**ما هي الأشياء التي يحتاجها الفنان لكي ينجح؟
-ضروري أن نقرأ الأدب الكلاسيكي، في الأدب الكلاسيكي يوجد التجربة الإنسانية، كل كتب الأدب الكلاسيكي في روسيا وأوربا وأمريكا وغيرها يمنحونك ثقافة عالمية عالية وإنسانية. نحن في أوروبا لا نعرف الكثير عن الأدب العربي وهذا مؤسف جدا.. الفنان يجب أن يكون مثقف ثقافة عالية حتى يتعلم منها ويصبح إنسان وأن يكون شخصية ملائمة ومتغيرة حسب الوضع المطلوب منه.. الممثلون الجيدون يجب أن يكونوا أطفال في داخلهم، أن يسيروا حسب ما يمليه عليهم خيالهم والفنطازيا في نفوسهم، وعليهم أن لا يفقدوا صفة الطفولة منهم، هناك تمارين لتطوير هذه الجودة عند الفنانون.
**وماذا تنصح هواة المسرح في بلادنا؟
-أن يذهبوا إلى روسيا وليس لأني روسي ولكن التاريخ له أهميته، المسرح الروسي منذ ستانسلافسكي هو من اخترع تعليم المسرح.. في فرنسا كان مسرح موليير ومارسيه ودانتي وخلقوا كيفية التمثيل على المسرح وبعدها جاءوا معلمين وطوروا المسرح، واليوم في روسيا يوجد مدارس جديدة.. أنا اعمل في المسرح الفرنسي، ولا يوجد به طريقة حفظ المسرح، الممثلون يفعلون ما يريدون، لا توجد طرق لتطوير جودة الممثلين.. اليوم حتى في روسيا وضع التعليم تغير إلى الأسوأ.