هنيئا لنا، بتأسيس مسرح فرينج الناصرة ومسرحية ابن خلدون, مولود اول متكامل,
هنيئا للفن..
إيمان ريناوي
جلست أمام مسرح لفت انظاري منذ دخولي ديكوره، تلك المساحة التي لم تُغط إلا بالخشب، قلت في نفسي "بداية موفقة" وفور امتلاء القاعة وتخييم الصمت, دخل ، وكأنه يدخل من باب الماضي، يتكلم بلغة عربية غير بسيطة وترى في عينيه الحكمة وفي كلماته المعرفة، دخل "ابن خلدون".
ازداد إعجابي أكثر بالقطعة الفنية فور دخوله وبدأت انصت بدقة وانتباه الى ما يقص ابن خلدون " شادي سرور الممثل " والى امثلة تحكي عن الحاكم والسلطات، فلم افهم قصده، لكن فاجأتني بناية المسرحية حين وقف ابن خلدون جانبا، وجاء لنا مثال حي، من ايامنا هذه وجسد نصا القاه علينا المؤرخ.
علت وجهي ابتسامة عريضة من شدة ذكاء التجسيد وربط نص مرت علية مئات السنين باحداث حاضر اقرأ واسمع واعيش مثلها يوميا...
"مشهد ممتاز" ما خطر في بالي عند انتهاء المشهد وامتزاج المؤرخ في نهايته واسترساله في الحديث عن العلاقات الزوجية، البيت والتربية، القضية الفلسطينية بطريقة هزلية تبكي اكثر مما تضحك، جني الأموال، علاقاتنا الاجتماعية والتربية والتعليم.. جلب معه في كل نص حقائق ومواعظ، لن ازعم انها غاية في الوضوح، إلا أن ترجمتها تأتي بمشاهد رائعه ان صح القول، بمواهب تمثيلية ممتازة، تعطي الدور حقه وتبسط كلمات ابن خلدون المعقدة، حسب رأيي، لمن ليس له صلة بلغتنا العربية باسلوب لفت انتباهي كثيرا.. لشدة دقته, فانتقاء النصوص أثار إعجابي لشدة صحتها مع مرور اكثر من ستمائة سنه على كتابتها، إلا أن تجسيدها يبرهن مدى روعة المخرج ورؤيته الثاقبه لحياتنا، فطريقة عرضها جميلة جدا، ففيها ضحكت، تألمت على حال الحاضر، تأثرت من الوقائع الحياتية وخرجت مبتسمة للذكاء الذي جمع بين الضحك واللغة الصعبة، بين المواضيع الحساسة وشخصية ابن خلدون المنتقدة وبين هذ النصوص وحاضر مؤلم تنطبق عليه.
لم تفارق ذهني تلك النصوص، لم احفظها طبعا، لكنها جعلتني مهتمة اكثر بمؤرخ لم اذكره بعد سنوات التعليم، وجعلتني مصفقة لولاده معافاة ورائعه احتفل فيها مسرح الفرينج، طاقمة المبدع ومؤسسه هشام سليمان.
هنيئا لنا، بتأسيس المسرح وبمولود اول متكامل. هنيئا للفن..